الطبيعة القانونية لبطلان التعاملات القابلة للإلغاء
إعداد / أحمد مهنا سبيل الرشيدي
حاصل على الدبلوم العالي بالمحاماة
وماجستير القانون الخاص
المطلب اﻷول
الطبيعة القانونية لبطلان التعاملات القابلة للإلغاء (فترة الريبة )
لقد نص نظام اﻹفلاس السعودي على التعاملات القابلة للإلغاء وجعل هذا المصطلح أحد فصول النظام وأدرج تحته أحكام مايعرف بالفقه القانوني بفترة الريبة والتي تم تناول جزء كبير منها في هذا البحث ونص في المادة الحادية عشرة بعد المائتين على أن تقضي المحكمة في الاعتراض المقدم من ذي المصلحة على التصرفات المنصوص عليها في المادة العاشرة بعد المائتين ببطلان التصرف ، وبناءً عليه يثور تساؤل حول الطبيعة القانونية لبطلان التصرفات خلال فترة الريبة هل قصد المنظم منها البطلان المطلق أم البطلان النسبي وهذا بالحكم على منطوق المادة الحادية عشر بعد المائتين ونص الحاجة منها "تقضي المحكمة في الاعتراض المشار إليه في المادة (العاشرة بعد المائتين) من النظام ببطلان تصرف المدين" أم أن هناك قصد للمنظم يمكن استخلاصه من الاثار التي رتبها على ما سماه بالبطلان أو على الفصل الذي أدرج أحكام فترة الريبة تحته من كونها تعاملات قابلة للإلغاء ونكون أمام عدم نفاذ، ففي حقيقة اﻷمر إن المنظم لم يوفق في صياغة هذا الفصل من هذه الناحية ويمكن اﻹجابة عن هذا التساؤل من خلال بيان عدد من المسائل وعليه سيتم تناول هذاا المطلب على النحو الاتي:
الفرع اﻷول: البطلان المطلق.
الفرع الثاني: البطلان النسبي.
الفرع الثالث: عدم النفاذ.
الفرع الرابع: التكييف السليم لبطلان التعاملات.
الفرع اﻷول: البطلان المطلق([1]):
يعتبر البطلان أحد الجزاءات التي قد تلحق بالتصرف ، ويتقرر البطلان المطلق إذا تخلف ركن من أركان العقد مثل الرضا أو المحل أو السبب أو اﻷهلية، ويعتبر العقد الباطل بطلانًا مطلقًا بحكم المنعدم الذي لا يرتب أي آثار ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به ويجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو لم يثره أحد طرفي النزاع وهذا البطلان أساسه المصلحة العامة ويفترضه الواقع إذ إن إنعدام الرضا أو استحالة المحل يستتبع عدم إمكانية وجود العقد، ولا يجوز تصحيح العقد الذي شابه البطلان المطلق باﻹجازة من قبل كل ذي مصلحة يتأثر من عدم بطلان العقد؛ ﻷن العقد الباطل بحكم المعدوم فلا يمكن أن تلحقه اﻹجازة ؛ويقصد بها اتجاه إرادة أحد طرفي العقد لتطهير العيب الذي شاب العقد ليصبح العقد صحيحًا، ولا يحتاج البطلان المطلق لتقريره إتخاذ أي إجراء ولا يحتاج إلى استصدار حكم قضائي مثال ذلك لو تم إبرام عقد بيع تخلف فيه أحد أركان العقد و لم يسلم البائع المبيع ولم يقدم المشتري الثمن فإنه يكون مثل العدم وعليه يحق لكلا طرفي العقد التصرف بالثمن والمبيع كأن العقد لم يكن وذلك على أساس بطلانه بطلانًا مطلقًا لتخلف أحد أركانه .
ولا يحتاج للجوء إلى المحكمة لتقرير هذا البطلان، ولكن قد يحتاج أحد طرفي العقد اللجوء للقضاء في حال تم تسليم المبيع للمشتري فإن البائع يطلب من المحكمة الحكم بإبطال العقد واسترداد المبيع ولكن الحكم الصادر من المحكمة لا يكون منشئًا للبطلان بل كاشفًا عنه، وأثر البطلان المطلق على العقد يكون بإعادة المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد من أجل محو كل ما ترتب على إبرام العقد الذي تقرر بطلانه مثال ذلك لو كان عقد البيع باطلًا بطلانًا مطلقًا ودفع المشتري الثمن وسلم البائع المبيع يكون أثر البطلان علي هذا العقد بأن يرد المشتري المبيع ويرد البائع الثمن ليعودا إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.
لقد نص المنظم السعودي على أحكام البطلان المطلق في نظام المعاملات المدنية في المادة الحادية والثمانون
ونص الحاجة منها"- إذا وقع العقد باطلاً جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا يزول البطلان بالإجازة.".
الفرع الثاني: البطلان النسبي([2]):
إن البطلان المطلق يلحق بالعقد فور إبرامه بخلاف البطلان النسبي الذي نحن بصدده والذي يمر العقد الذي شابه بمرحلة من الصحة ثم يتقرر البطلان بعد ذلك إذا تمسك به من تقرر البطلان لمصلحته ويكون العقد باطلًا نسبيًّا في حال توافرت فيه جميع أركانه ولكن شاب الرضى أحد عيوبه ،وعيوب الرضى هي الغلط و الاكراه والتدليس و الغبن ، أو كان أحد طرفي العقد ناقص اﻷهلية لا فاقدها كالسفيه أو ذي الغفلة ، والعقد الباطل نسبيًّا عقد صحيح له وجود نظامي وينتج آثاره من وقت إبرامه، وطريقة تقرير البطلان النسبي تكون برفع دعوى إلى المحكمة ولا يجوز إبطال العقد باﻹرادة المنفردة ويكون الحكم الصادر من المحكمة منشيء لحالة البطلان ﻷن اﻷصل أن العقد قائم وصحيح ، وآثار البطلان النسبي مشابهه للبطلان المطلق من حيث عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، ويكون حق التمسك بالبطلان النسبي للمتعاقد الذي تقرر إمكانية البطلان لمصلحته فإن كان سبب البطلان نقص اﻷهلية فإن المتعاقد ناقص اﻷهلية هو من له حق التمسك به أو إذا كان لعيب اعترى الرضى فإن المتعاقد الذي شاب العيب رضاه هو من له الحق بطلب إبطال العقد، ويجوز إسقاط الحق بالتمسك بالبطلان النسبي بإجازة العقد وقبوله من الذي تقرر البطلان النسبي لمصلحته ،ولا تصح اﻹجازة إلا بعد زوال السبب الذي تقرر البطلان النسبي لمصلحته مثال ناقص اﻷهلية لاتقبل إجازته للعقد إلا بعد كمال أهليته.
ولقد نص نظام المعاملات المدنية السعودي على أحكام البطلان النسبي وتؤكد ذلك المادة السابعة والسبعون
ونصها "إذا جعل نص نظامي لأحد المتعاقدين الحق في طلب إبطال العقد؛ فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق."
ويتضح من النص السابق أن المنظم يقرر أن البطلان قد يتقرر لمصلحة أحد المتعاقدين دون الآخر وهو من يحق له التمسك به وهذا يوافق مع ما عرضناه في البطلان النسبي وأحكامه التي قررها فقهاء القانون في نظرية البطلان.
الفرع الثالث: عدم النفاذ ([3]):
إن العقد الغير نافذ هو عقد صحيح ينتج أثره وقت إبرامه بين طرفيه ،ولا يجوز ﻷي منهم طلب إبطاله خلاف العقد الباطل بطلانا مطلقا والذي يفقد فيه العقد أحد أركانه فلا ينتج أثرًا، وخلاف البطلان النسبي الذي وإن كان اﻷصل في العقد الذي شابه هو الصحة إلا أنه عرضة للإبطال إما لنقص في اﻷهلية أو لعيب شاب ركن الرضى، أما عدم نفاذ العقد فهو حق مقرر للغير يقصد منه عدم جواز الاحتجاج بالعقد لمن قرر له عدم نفاذه في مواجهته، مثال الدعوى البوليصية فهي في حقيقتها دعوى يدفع فيها الدائن غش المدين ويطعن بعدم نفاذ تصرفه الذي قصد منه المدين الأضرار بالدائن فيطعن في تصرفه ليرده للضمان العام لينفذ عليه، مع بقاء التصرف نافذًا بين طرفيه ولقد تناول الباحث هذه الدعوى سابقًا، وبناءً على ما تقدم نخلص إلى أن العقد الغير نافذ هو عقد صحيح بين طرفيه ومنتج لآثاره إلا أنه لا يجوز اﻹحتجاج به على الغير.
الفرع الرابع: التكييف السليم لإلغاء التعاملات:
لقد نص المنظم السعودي في نظام اﻹفلاس على أن لكل ذي مصلحة الإعتراض على التصرفات التي نص عليها في المادة العاشرة بعد المائتين ونصها اﻵتي " لكل ذي مصلحة الاعتراض أمام المحكمة على أي تصرف أجراه المدين...." وينبي على ذلك عدم جواز إلغاء هذا التصرف أو إبطاله -كما أطلق عليه النظام- من المحكمة و إثارته من تلقاء نفسها مما يفهم من ذلك أن التصرف حين تم إبرامه وقع صحيحا منتجًا لآثاره وعليه فإن فكرة البطلان المطلق لا يسوغ اعتبارها التكييف السليم لبطلان التصرفات خلال فترة الريبة إذ إن المنظم يفترض صحة هذه التصرفات ووجودها الفعلي والنظامي .
أما بالنسبة للبطلان النسبي فإن الناظر إلى النص السابق من النظام يجد أن التصرف يبقى قائمًا وصحيحًا مالم يطلب ذي المصلحة بطلانه وعليه يوجد تشابه في اﻷحكام المقررة مع البطلان النسبي إلا أن المنظم حين نص على مصطلح ذي المصلحة وسع دائرة من له الحق في طلب إبطال التصرف وعليه يمكن أن يكون من غير طرفي العقد، والمتصور في الدعاوى التي يتم رفعها خلال فترة الريبة أن أغلب من يعترض على التصرفات هم دائنوا المدين والذين هم بحكم الغير بالنسبة للتصرف المبرم، ولما كان اﻷصل بالبطلان أن يكون فيما وقع بين المتعاقدين ولا يسوغ لشخص يعتبر من الغير أن يطلب بطلان العقد([4]) وبناء على ذلك لا يمكن تكييف البطلان المقرر للتصرفات المبرمة خلال فترة الريبة على أنه بطلان نسبي.
وبناءً على ما تقدم يرى الباحث أن التكييف السليم لإبطال التصرفات خلال فترة الريبة هو عدم النفاذ وليس البطلان وأن دائن المدين حين يعترض على التصرفات التي وقعت خلال فترة الريبة فإنه يطلب عدم نفاذ هذه التصرفات في مواجهته ويطلب إرجاع ما تم التصرف فيه إلى أصول التفليسة لتوزيع حصيلتها و لمنع الضرر الذي تعرض له أو إبطال الميزة التي حصل عليها المتصرف إليه وتخل بمبدأ المساواة بين الدائنين مع بقاء هذا التصرف صحيحًا ونافذًا بين أطرافه ويؤكد ذلك نص المادة الحادية عشرة بعد المائتين"تقضي المحكمة في الاعتراض المشار إليه في المادة (العاشرة بعد المائتين) من النظام ببطلان تصرف المدين والآثار المترتبة عليه إلا إذا كان التصرف يحقق مصلحة المدين وكان غير متعثر أو مفلس وقت إجرائه....." ونلاحظ أن المنظم منع إبطال التصرف إذا كان يحقق مصلحة المدين وبين الباحث سابقًا أن المصلحة يقصد منها الفائدة التي تعود على أصول التفليسة لا المصلحة الشخصية للمدين وعليه فإن التصرف في اﻷصل صحيح ونافذ ولكن راعى المنظم مصلحة دائني المدين الذي افتتح اﻹجراء لمصلحته ليطلبوا عدم جواز الاحتجاج بهذه التصرفات التي تنقص من أصول التفليسة أو تميز أحد الدائنين لتكون له اﻷولوية فتكون آثار قبول الاعتراض استرداد ما خرج من أصول التفليسة أو حرمان الدائن من الميزة التي حصل عليها بناء على التصرف مع بقاء التصرف قائمًا بين طرفيه، ويتضح لنا مما سبق أن المنظم السعودي اتخذ الاتجاه الذي رجحه فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية لبطلان التصرفات خلال فترة الريبة والذي قرر فيه الفقهاء من كون البطلان في حقيقته هو عدم نفاذ.([5])
([1]) شنب، محمد، دروس في نظرية الالتزام (دار النهضة العربية، القاهرة، مصر،١٩٧٦-١٩٧٧م) ص٢٢١ومابعدها بتصرف
أيضا:مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، مرجع سابق ص٤٢٢ومابعدها بتصرف